نار في الجليد
وجاءت بعد البكاء باكية وحاملة حجج السنين بين يديها وماأن وصلت حتى نثرتها أمامي فتطايرت
كسرب حمائم جفلت فتساقطت كما تتساقط أوراق الخريف ونظرت ألي قائلة :
هذا صك لك على عمري وقد ضاع وهذا صك لك على شبابي وقد ذبل وهذا صك لك على قلبي
وقد قُتل فرد لي كل ماأخذت أو بعظاً منه أو خذ مني خريف عمري كما أخذت ربيعه .
ثم سكتت قليلاً لتسكن أنفاسها المتلاهثه في سباق للسماء ولتمسح بأطراف بنانها عن حدود فظاء
عينيها شهب الدمع المتساقطه ثم أردفت قائله :
أنت قاتل ياسيدي . . أنت تأخذ من داخل الجسد كل نبض للحياة فتعريه وتستر ماتراه العين
ببعض رسائلك حتى أن حبرها قد أزالته دموعي وقد أصبحت لليل زانيه .
أنت ياسيدي القاتل تحصد من كل فصلاً أينعه حتى الطيور بعدك جائعه وأنت ثورة العشاق في
سكون الليل تبني للأحلام مهداً بين يديك فتنام وتهنى وتصحو سراباً ترضع الألآم وتبكي وقد
أضحت للضواري سكناً محطم الأعتاب وماكان ذنبي سوي حبي فتذكر ولك أن تبكي أن كنت
تبكي .
أنت ياصياد حبي . . كنت طعم الحب ، أطعمت قليلاً ثم بخلت وبخلت كثيراً فجعلتني أسمعه
ولا أقرأه ، أشاهده ولا ألمسه ، يداعبني هوائه ولا أستنشقه فبأي حقٍ بخلت وبأي حقٍ كان لك
كل الحق في سلبي كل حقاً مستحق أجبني وأخبرني كيف يمكن للقلب أن يجهض جنينه حتى
أجهض من قلبي جنين حبك .
قالت هذا وجثت على ركبتيها وكأنما خلت من هيكلها في حين عينيها لاتفارق عيني في توسل
وخضوع حتى ترنمت شفتاها المتورمتان بعد أن خدرها الكلام لتقول من جديد :
عندما تذرف السماء دموعها تحيي بها ألورده وعندما تموت تبعث بأنفاسها الى صدر قاتلها
لتعيش بأنفاسه فخذ بقايا أنفاسي المجرورة في الطريق لتعيش بداخلك .
ثم أاستطرقت ملياً وتسكعت بعينيها في تضاريس وجهي وكأنها تلتقط صورة للذكرى حتى
أستقرت بهما في داخل عيني لتوميىء لي بالاقتراب فدنوت منها وأنا أعلل أسبابي على أمل
أن أسمع منها مايزيح ذنبي عن كاهلي ويخفف من ندمي حتى لامست شفتاها الباردتين
أذني مقشعراً بذلك كامل جسدي حين تسلل بعضاً من أنفاسها ألمودعه للسكن داخلي وكأن
قابضها قد مسني وقد تسللت مع يديه كلمتان كادت أن لاتعيد ألي أنفاسي حينما قالت . .
( نار في الجليد ) كان ذلك آخر ماقيل من شفتاها بعد أن توقفت فعرفت بأنها قد ماتت
وكان هناك من يموت ومن سوف يموت فأوقات الليل كانت تفلت من زمامه فعرفت
بأنها الأخيرة لآخر ليل بعدها في عمري وعلمت كذلك بأنها هي من كانت النار وأنا
كنت الجليد فأخذت أقطع أمتار ذلك الطريق شبراً شبر وأنا أتمتم قائلاً . . نار في
الجليد ، نار في الجليد ، نار في الجليد .